
5 علامات تدل على الاكتئاب لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد
ترجمة: أ. شروق السبيعي
قد يصعب تشخيص الاكتئاب لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، حيث قد تختلف طريقتهم في التعبير عن مشاعرهم عن ما هو متوقع عادةً. وقد يواجهون مشاكل في الصحة النفسية تتجلى بطرق غير تقليدية، مما يجعل من الضروري فهم سلوكياتهم واحتياجاتهم الخاصة بشكل دقيق.
نتيجةً لذلك، قد لا تكون علامات الاكتئاب لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد واضحةً دائمًا، يجب على الوالدين ومقدمي الرعاية والمعلمين أن يأخذوا في الاعتبار ما يتجاوز العلامات التقليدية. ففهم هذه العلامات الدالة على الاكتئاب يساعد في تشخيصهم مبكرًا والحصول على الدعم المناسب.
لنستعرض معًا خمسًا من هذه العلامات.
زيادة الانسحاب والعزلة
إحدى أبرز علامات الاكتئاب لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد هي زيادة الشعور بالانسحاب.
يستمتع العديد من الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد بطبيعتهم بالوحدة أو ينغمسون بعمق في اهتمامات خاصة، ولكن مع دخول الاكتئاب، غالبًا ما تزداد حدة هذه العزلة. فالاطفال الذين كانوا يستمتعون سابقًا بالتفاعلات الاجتماعية المنظمة أو المشاركة في الأنشطة العائلية قد يرفضون فجأة المشاركة. قد يتوقفون عن الاستجابة لمواضيع المحادثة المفضلة، أو يتجنبون التواصل البصري أكثر من المعتاد، أو ينفصلون عن الأشخاص الذين كانوا يرتاحون معهم سابقًا.
الفرق الرئيسي هو أن هذا الانسحاب ليس بسبب التحفيز المفرط أو الحاجة إلى التوقف عن العمل، بل إلى انخفاض عام في الدافعية أو الاهتمام.
بالنسبة لبعض الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، يمكن أن يمتد هذا الانسحاب ليشمل الأنشطة التي كانوا يستمتعون بها سابقًا. فالأطفال الذين كانوا يجدون متعة في بناء النماذج أو الألعاب الإلكترونية أو الرسم قد يفقدون اهتمامهم بهذه الأنشطة فجأة.
فقدان الاهتمام هذا غالبًا ما يكون علامة على أن الأطفال لديهم ألم نفسي داخلي ولا يمتلكون الطاقة للاستمتاع بالأشياء كما كانوا يفعلون سابقًا.
تغيرات في أنماط التواصل
قد يستخدم الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد طرقًا غير تقليدية للتواصل، ولكن الاكتئاب قد يتسبب في تغييرات واضحة في طريقة تعبيرهم عن أنفسهم.
بعض الأطفال الذين يتحدثون عادة قد يتحدثون بشكل أقل أو يتوقفون عن التحدث تمامًا لفترات من الوقت. قد يصبح بعض الأطفال أكثر رتابة في كلامهم، مع تغير طفيف في أنماط حديثهم. وإذا كان الأطفال معتادين على تكرار عبارات من برامجهم التلفزيونية أو أفلامهم المفضلة، فقد يبدأون في استخدام تعبيرات أكثر كآبة أو حزنًا بشكل متكرر.
يمكن للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد غير الناطقين أن يظهروا أيضًا علامات الاكتئاب من خلال تغييرات في أسلوب تواصلهم غير اللفظي. قد يستخدمون الإيماءات بشكل أقل، أو يتوقفون عن الإشارة إلى الأشياء، أو يتجنبون استخدام أجهزة التواصل الخاصة بهم كثيرًا كما في السابق. الأطفال الذين كانوا يحرصون على إحضار مقتنيات لوالديهم للتعبير عن حماسهم أو اهتمامهم قد يتوقفون عن فعل ذلك. قد تكون هذه التغيرات بسيطة، لكنها تحمل معنى عميقًا، مما يشير إلى أن الأطفال يواجهون صعوبات عاطفية. قد يتغير نمط الكلام المتكرر أو المصاداة ليأخذ نبرة مختلفة. بدلاً من التكرار المفعم بالحيوية، قد يصبح أكثر جمودًا أو قلقًا أو يتركز حول مواضيع الحزن. قد يبدأ بعض الأطفال في طرح أسئلة وجودية أو التعبير عن مخاوفهم بشأن ما إذا كانوا محبوبين أو مقدرين. حتى وإن كانوا يفتقرون إلى الكلمات للتعبير عن حزنهم بشكل مباشر، فإن التغيرات في تواصلهم قد تكشف عن شعور عميق بالضيق.
زيادة الانفعال أو الانفجارات العاطفية
بالنسبة للعديد من الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، لا يظهر الاكتئاب دائمًا على شكل حزن، بل على شكل زيادة في الانفعال.
الأطفال الذين يتحلون عادةً بالصبر والمرونة قد يُصابون بالإحباط بسهولة بسبب أمور بسيطة. قد يظهر الأطفال استجابة أكبر عند حدوث تغييرات في الروتين، أو يصبحون منزعجين عندما لا تسير الأمور كما هو متوقع. قد تؤدي التحديات البسيطة التي كانوا قادرين على التعامل معها بسهولة في السابق إلى انهيارات عاطفية أو معاناة مستمرة.
قد يلاحظ الوالدان ومقدمو الرعاية بكاء الأطفال المتكرر دون سبب واضح، أو تغيرات مفاجئة في مزاجهم. ولأن الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد غالبًا ما يواجهون صعوبات في تنظيم انفعالاتهم، فإن الاكتئاب قد يزيد من حدة هذه الصعوبات، ويجعلها تبدو أكثر تأثيرًا.
حتى الأطفال الذين يكونون عادة هادئين قد يظهرون سلوكًا عدوانيًا متزايدًا، مثل الضرب أو العض أو رمي الأشياء، ليس بدافع التحدي، بل كوسيلة للتعبير عن المشاعر المكبوتة التي يصعب عليهم الإفصاح عنها بطرق أخرى.
قد يمتد هذا الانفعال ليشمل زيادة في الحساسية تجاه المحفزات الحسية. فالاطفال الذين كانوا يتقبلون سابقًا بعض الملامس أو الأصوات أو الأضواء قد يجدونها فجأةً لا تُطاق.
يمكن أن يُخفِّض الاكتئاب من قدرة الأطفال على تحمُّل الانزعاج، مما يؤدي إلى زيادة تكرار الضغط الحسي المفرط وشعورهم بعدم الراحة. قد يؤدي ذلك إلى ظهور سلوكيات غير مرغوب فيها، مثل رفض ارتداء ملابس معينة، أو تناول أطعمة كانت مألوفة، أو الدخول إلى أماكن كان من السهل التحكم بها في الماضي.
اضطرابات النوم والشهية
اضطرابات النوم شائعة عند الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، ولكن عندما يكون الاكتئاب موجودًا، غالبًا ما تتفاقم هذه الاضطرابات.
الأطفال الذين اعتادوا على روتين نوم منتظم قد يبدأون في الاستيقاظ عدة مرات خلال الليل، أو يواجهون صعوبة في النوم، أو يستيقظون في وقت أبكر بكثير من المعتاد. قد يظهر على بعض الأطفال التعب المستمر، أو قد يأخذون قيلولات طويلة، أو يبدو عليهم الخمول طوال اليوم. وقد يُصاب آخرون بخوف من النوم، أو يعانون من كوابيس أو اضطرابات ليلية تزيد من قلقهم.
وبالمثل، قد تشكل تغيرات الشهية علامة تحذيرية. فالأطفال الذين يستمتعون عادة بتناول الطعام قد يفقدون اهتمامهم فجأةً، ويرفضون الوجبات، أو يتناولون كميات أقل بكثير مقارنة بما كانوا عليه سابقًا.
وعلى النقيض من ذلك، قد يبدأ بعض الأطفال بتناول الطعام أكثر من المعتاد، باحثين عن الراحة في الطعام كوسيلة للتغلب على مشاعرهم السلبية. قد يكون من الصعب ملاحظة هذه التغيرات في عادات الأكل، خاصة لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد الذين يعانون من نفور من الطعام أو تفضيلات غذائية حسية، ولكن أي تغيير ملحوظ في الأنماط يستحق المتابعة.
عندما تحدث اضطرابات في النوم والشهية إلى جانب تغيرات نفسية وسلوكية أخرى، قد يشير ذلك إلى أن الأطفال يمرون بما هو أكثر من مجرد مرحلة مؤقتة.
التعبير عن اليأس أو سلوكيات إيذاء النفس
على الرغم من أن الأطفال الصغار قد لا يمتلكون دائمًا الكلمات اللازمة للتعبير عن مشاعر الحزن، إلا أنهم لا يزالون قادرين على نقل شعورهم باليأس.
في بعض الحالات، قد يلجأ الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد والمشخصين بالاكتئاب إلى سلوكيات مؤذية للذات. قد تشمل هذه السلوكيات ضرب أنفسهم، أو الخدش، أو ضرب الرأس، أو العض.
مع أن إيذاء النفس ليس نادرًا لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، إلا أنه قد يصبح أكثر تكرارًا وشدة عندما يُشخَّص الأطفال بالاكتئاب. إذا ظهرت هذه السلوكيات فجأةً أو ساءت، فمن المهم أخذها على محمل الجد وطلب المشورة الطبية.
دعم الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد المشخصين بالاكتئاب
يُعدّ التعرّف على علامات الاكتئاب لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد الخطوة الأولى، ولكن تقديم الدعم المناسب لا يقل أهمية. ويمكن أن يكون التوجيه المهني من معالج أو أخصائي نفسي ذو خبرة في اضطراب طيف التوحد بالغ الأهمية.
نظرًا لأن العلاج بالكلام التقليدي قد لا يكون فعالًا لجميع الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، فإن التدخلات البديلة مثل العلاج باللعب، أو العلاج بالفن، أو التدخلات القائمة على الحواس قد تكون مفيدة.
الروتين والقدرة على التنبؤ يشعران الأطفال بالراحة أيضًا. إجراء تعديلات بسيطة وسهلة على الحياة اليومية يمكن أن يخفف بعض العبء النفسي. التواصل المفتوح، سواءً من خلال المحادثات اللفظية أو الدعم البصري أو الأجهزة المساعدة، يُمكّن الأطفال من التعبير عن مشاعرهم بطريقة تُريحهم.
وفوق كل ذلك، فإن الصبر والتعاطف يقطعان شوطًا طويلاً.
قد يسبب الاكتئاب شعور الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد بالإرهاق الشديد، ولكن مع التفهم والدعم المناسبين، يمكن للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد إيجاد طرق للتكيف واستعادة شعورهم بالفرح والأمان.
المرجع:
5 Tell-Tale Signs of Depression in Autistic Children
https://goldencaretherapy.com/signs-of-depression-in-autistic-children/